ومن بديع منطقها ما حدثوا أن المأمون عتب عليها فهجرها أياما، ثم اعتلت فعادها، فقال كيف وجدت طعم الهجر؟ فقالت يا أمير المؤمنين لولا مرارة الهجر ما عرفت حلاوة الوصل، ومن ذم بدء الغضب حمد عاقبة الرضا، فخرج المأمون إلى جلسائهِ فحدثهم بالقصة ثم قال: أترى لو كان هذا من كلام النَّظَّام ألم يكن كثيراً؟
ولما قبل المأمون قدمها قالت: والله يا أمير المؤمنين لولا ما شّرفها الله من وضع فمك الكريم عليها لقطعتها، ولكن لله ألا أغسلها لغير وضوء أو طهر إلا بماء الورد ما عشت. فكانت تفعل ذلك إلى أ، ماتت.
[فضل]
وعزيز علينا القول عن فضل في صفحة أو صفحتين فإن في ذلك الإجمال مظلمة للأدب العربي لا يبلغها العذر.
نشأت فضل بالبصرة في دار شاعر من بني عبد القيس، وبالبصرة تأدبت وتخرجت ثم اشتريت وأهديت إلى المتوكل، وكانت في الغاية العلياء من قسامة الوجه، وحلاوة الطبع، وحسن البديهية، وظرف الحديث، أما الشعر فيه نسيج وحدها، بل إنك لا تجد لها في شواعر النساء ضريبا منذ جرى على ألسنتهن الشعر، وكان عصر المتوكل عصر الشعر الساحر الذي ينبعث عن الطبع الرقيق، وقد اجتمع فيه من الشعراء المُرَقَّقين ذوي الديباجة المُذْهَبة والأسلوب الغنائي البديع ما لم يجتمع في عصر من العصور، ففيه ظهر البحتري وسعيد بن حُمَيد وعلي بن الجهم وإبراهيم بن العباس وابن الرومي وأشباههم وفيه ظهرت فضل فما قصرت عن هؤلاء جميعاً، وكثيراُ ما تقدمتهم في الشعر الغنائي الذي يعتمد على فرط الرقة وقوّة التأثير وكم من الشعراء من يحسن أن يقول: