عرش المستعين بهم وولوا من بينهم أحد أشرفهم وبايعوه على الثبات معه حتى الموت وأحاطوا باليهود فأفنوهم واقتسموا أموالهم واستعان عبد الحق بجنده فتنكروا له وخالفوا عليه، وقتل اليهودي الضارب طعناً بالرمح بين يديه، وسيق هو إلى فاس وطيف به مشهراً
في أحيائها وأزقتها وتكاثرت عليه الجموع تريد أن تفترسه، ثم قدم إلى مصرعه فقتل وانتهى بموته عهد وانقرض بنهايته ملك وسلطان.
[الأسرة المتنبئة]
لم يكن أهل المغرب الأقصى سراعاً إلى الإسلام حين دعوا إليه فلم يسلموا إلا بعد لأي خيفة من السيف، ثم ارتد جمهورهم عن الدين الحنيف، ثم أثابوا أخيراً إليه، وفي عهد تلك الفتنة المضطربة نهض رجل في أحد أعمال فاس طريفاً أبا صبيح فادعى النبوة، واقتبس دينه من مآرب الناس وشهواتهم فاتبعه جمهور من الغوغاء، وكان ذلك في عهد هشام بن عبد الملك بن مروان، ثم أعقبه ابنه فزاد على ما قال أبوه سخفاً من القول دعاه قرآنا وجعل من سوره: سورة الديك وسورة الحُمُر وأمثال تلك الأضاحيات. وعلى ذلك السَّنن تتابع سلالة ذلك الرجل، فليس منهم إلا من زعم أنه نبي يوحى إليه حتى انتهى أمرهم إلى أبي غفير محمد بن معاذ بن اليسع بن طريف فازداد خطره واستفحل أمره، وأباح للرجل أن يتزوج بمن وصلت إليه يده من النساء بالغاً ما بلغ، وأخذ يبث شياطينه في البلاد، يقتلون رجالها ويسبون نساءها، وشأنه في ذلك شأن القرامطة، وهؤلاء وأولئك كانوا يتبعون سيرة آل فرعون في بني إسرائيل من قتل الرجال واستحياء النساء. وفي انسياق الغوغاء في مساق أبي غفير يقول بعض شعراء فاس: