فوالله إن ذاق منه مُزعة وأنه لأحوج إليه منا. فأصبحنا وما على ظهر الأرض من الفرس إلا عظم وحافر فأنشأ حاتم يقول:
مهلاً نَوَارِ أقلى اللوم والعذَلا ... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا
ولا تقولي لمال كنت مهلكه ... مهلا وإن كنت أعطى السهل والجبلا
يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إن الجواد يرى في ماله سبلا
[امرأة تصف رسول الله]
لما فارق رسول الله مكة مهاجراً إلى المدينة، خرج ومعه صاحبه أبو بكر ورائده عبيد الله بن أُرَيقط. فمروا على خيمة أم معبد - وكانت بَرَزة جَلدة تحتبي بِفناء الكعبة ثم تسقي وتطعم - فسألوها لحماً وتمراً ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك. وكان القوم مُرْمِلين مُسْنتين. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كِسْرِ الخيمة، فقال: ما هذا ياأم معبد؟ قالت: شاة خلَّفها الجهد عن الغنم. قال: هل بها من لبن؟ قالت هي أجْهَدُ من ذلك. قال أتاذَنين لي أن أحلبها. قالت: بأبي وأمي أنت أنت، نعم! إن رأيت بها من حَلَب فاحلبها. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها وسمى الله ودعا لها في شاتها فتثاجَّت عليه ودرَّت واجترَّت. ودعا بإناء يَرْبَصُ الرَّهْط، فحلب فيه ثَجا حتى غلبه الثمال ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رَوُوا. ثم شرب آخرهم. وقال: ساقي القوم آخرهم، فشربوا جميعاً عَلَلاً بعد نَهل. ثم أراضوا ثم حلب فيه ثانياً عوداً على بدءٍ حتى ملأ الإناء. ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا