دخلت عكرشة بنت الأطروش على معاوية وبيدها عكاز في أسفله زجٌ مسقي فسلمت عليه بالخلافة وجلست؛ فقال لها معاوية يا عكرشة! الآن صرت أمير المؤمنين قالت: نعم إذ لا عليٌ حي، قال الست صاحبة الكور المسدول والوسط المشدود والمتقلدة بحمائل السيف، وأنت واقفة بين الصفين يوم صفين تقولين: يا أيها الناس عليكم أنفُسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. إن الجنة دار لا يرحل عنها من قطنها، ولا يحزن من سكنها، فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها ولا تنصرهم همومها. كونوا قوم مستبصرين. إن معاوية دَلَفَ إليكم بِعجم العرب غُلف القلوب لا يفقهون الإيمان، ولا يدرون ما الحكمة، دعاهم بالدنيا فأجابوه، واستدعاهم إلى البطل فلبّوه. فالله الله عباد الله في دين الله! وإياكم والتوكل فإن في ذلك نقض عروة الإسلام، وإطفاء نور الإيمان، وذهاب السُّنّة، وإظهار الباطل. هذه بدر الصغرى، والعقبة الأخرى. قاتلوا يا معشر الأنصار والمهاجرين على بصيرة من دينكم، واصبروا على عزيمتكم، فكأني بكم غداً قد لقيتم أهل الشام كالحمر النهاقة والبغال الشحاجة، تضْفَع ضفع البقر، وتَروث روث العَنَاق، ثم قال معاوية فوالله لولا قدر الله وما أحب أن يجعل لنا هذا الأمر لقد انكفأ على العسطران. فما حملك على ذلك؟ قالت. يا أمير المؤمنين إن اللبيب إذا كره أمراً لم يحب إعادته. قال: صدقت، اذكري حاجتك. قالت: يا أمير المؤمنين إن الله قد ردّ صدقاتنا علينا، وردّ أموالنا فينا إلا بحقها، وإنا قد فقدنا ذلك فما يُنْعَش لنا