كذلك كان نساء العرب منذ أربعة وأربعين قرناً لا فرق بينهن وبين أحدث نساء هذا العصر مدنية إلا أنهن فطرة الله وصبغته، ونثار الطبيعة وأنوارها، لم تثقلهن كلْفة، ولم تحجب صفاءَهن صناعة. قلب نقّي، ووجه غير مخضوب.
إن الكذب والزور والخديعة والخيانة وأشباه تلك الدنايا لا تجد السبيل إلى قلب المرأة العربية لأنها جميعاً من فضول النفس الضعيفة، وهي بمنجاة عن ذلك الضعف.
وأين للضعف من سبيل إلى المرأة التي تقول وقد استَحَرَّ القتل بقادتها والْحُماة المدافعين عنها:
أبو أن يفروا والقنا في نحورهم ... ولم يبتغوا من رهبة الموت سُلما
ولو انهم فروا لكانوا أعزة ... ولكن رأوا صبراً على الموت أكرما
تلك هي المرأة العربية في قصِيّ عهدها، وبعيد أمدها. قوة في حياء، ورقة في مضاء، وذكاء في صفاء، ورعى ووفاء وصبر على الَّلأواء، وحدب على الأزواج والأبناء.
ونحن أولاد موفون لك الكلام على المرأة العربية في حياتها الزوجية، ثم في عهد الأمومة، ثم في حياتها العامة.
[حياتها الزوجية]
ما أسبغ على امرئ أعظم أثراً، ولا أسنى خطرا، ولا أجمع لشتات النعم، ولا أجلَبَ لنعيم الحياة من المرأة الصالحة، هي عُدّة في الشدّة، وزينة في الرخاء. هي منار أمل الرجل، منها يستمده، وبها يستفيده، وإليها يعود به.
تلك هي المرأة الصالحة. فأما أحفل مشاهدها، وأخصب منابتها، فبين تلك