صلاتها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذلك وهي فزعة: يا نفس كم تنامين؟! يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا بصرخة يوم النشور، قالت عبدة: وكان هذا دأبها أمد دهرها حتى ماتت، ولما حضرتها الوفاة دعتني وقالت يا عبدة: لا تؤذني بموتي أحداً، وكفنيني في جبتي هذه وهي جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون.
ومن قولها: ما ظهر من أعمالي فلا أعده شيئاً. ومن وصاياها: اكتموا حسناتكم
كما تكتمون سيئاتكم.
ومما أثر عنها من الشعر قولها في ذات الله تعالت ذاته:
إني جعلتك في الفؤاد محدّثي ... وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانسٌ ... وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
وكانت وفاتها رضوان الله عليها سنة خمس وثمانين ومائة.
[عبدة البصرية]
وهي امرأة عكفت على العبادة وأفرطت في السهر وأسرفت في البكاء حتى كف بصرها.
سمعت قائلا يقول ما أشد العمى على من كان بصيراً! فقالت: يا عبد الله عمى القلب عن الله أشدّ من عمى العين، وددت أن الله وهب لي كنه محبته وأنه لم يبقى مني جارحة إلا أخذها.
وقدم ابن أخ لها من فراق طويل فبُشرت به فبكت، فقيل لها. ما هذا واليوم يوم سرور! فازدادت بكاء، ثم قالت: والله ما أجد للسرور مسكناً مع ذكر الآخرة، ولقد أذكرني يوم القدوم على الله فمن بين مسرور ومثبور ثم أغمى عليها وسقطت.