كل ما وراء العدو من نفس ومال فهو في الله أفاءه على المسلمين وولىّ أمرهَ إمامهم، فإن شاء تجاوز عنه ومنّ به، وإن شاء بسط عليه يده وعاد به على ذوي الحق فيه.
وبحكم ذلك كانت بنات العدوّ ونسوته من مغانم الحرب في كل بلد كان السيف حكم فتحه وامتلاكه.
وقد خَلَصَ للمسلمين من وراء ذلك عدد لا يحده الإدراك من النساء على اختلاف
أسنانهن وأجناسهن وأخطارهن، ومنهن الفارسيات والتركيات والأرمنيات والجرجيات والشركسيات والروميات والبربريات والحبشيات، وفيهنّ بنات الأكاسرة والقياصرة والأساور والبطارقة من كل قاصرة الطرف ناعمة الكف لم تبتذلها المهن ولم تمتهنها المحن.
لم تَلْقَ بُؤساً ولم يضررُ بها عوز ... ولم تُرَجَّفْ مع الصالي إلى النار
وكان قواد الدولة وولاة الأمصار يجمعون من أولئك أنضرهن وأنداهن صوتاً وأمثلهن أدباً ويرسلونهن إلى الخليفة وهو يصطفي منهن من يشاء ويثيب وزراءه وندماءه وخلصاءه بمن يشاء.
ولقد ينبئك بما تجمع للخلفاء من الجواري ما روى ابن الأثير أن المتوكل أُهدي إليه في يوم واحد عشرون ألف جارية ولَهُن ولأشباههنّ بني قصر الجعفري حين ضاقت بهنّ مقاصير الخلافة في بغداد.
وممن حديث تلك الكثرة أن الرشيد أهديت إليه جارية رائعة الجمال فاحتفل بها احتفالا أخرج فيه من جواريه المغنيات وساقيات الشراب زهاء ألفي جارية في أحسن زي وأتم حلية، واتصل الخبر بزوجه زبيدة فالتهب صدرها غيظاً وغيرة، وفزعت إلى عُلَيّة بنت المهدي فصنعت لحناً بديعاً وخرجت هي وزبيدة في زهاء