فطرب الرشيد وقام حتى استقبل زبيدة وعُليَّةَ وقال لم أر كاليوم قَطّ! يا مَسرور! لا تبقين من بيت المال درهما إلا نثرته، فكان مبلغ ما نثره يومئذ آلاف ألف.
وعلى هذا السنن من الكثرة سار الخلفاء ومن دونهم من ذوي النعمة والثراء. وربما وقعت الفتاة الرود في سَهْم الزاهد الراغب في المال عنها فيبيعها من المقَيَّن
وهو يذهب بها إلى جواريه فَيجْلُونها أحسن ويُزَيَّنها أنفس زينة ثم يعرضها للراغبين في معرضه من سوق الجواري أو يستبقيها في بيته ليُروَيها الشعر ويخرجها في الغناء، وبها وبمثلها تصبح داره مثابة القاصدين من الحلفاء ومن دونهم ليستروحوا منهن بحسن الحديث وطيب السماع، وربما رغب العظيم في اقتناء إحداهن فبذل لصاحبها غاية ما يتمناه.
وكان الجواري أنفسهن ما يتهادى به ذوو الأخطار! وأفضل ما يثاب به الأدباء والشعراء والسُّمار، وبذلك انبثتن في كل موطن وحللن في كل دار. وإذا آملك أن يَسبي العرب هذا العدد العديد من النساء فاعلم أنهن اللواتي سبين العرب وملكن أزمتهم ووطئن أكتافهم، واقتعدن ظهورهم، وضربن بينهم وبين نسائهم بسور له باب ظاهره الحسن والدلال، وباطنه الذل والوبال. ذلك أنهن أصبحن عقدة تلك الحياة التي لم يعصمها دين ولم يحط بها رفق ولم يخالطها وقار، حياة الشرف والترف والشهوات واللذات. وكان لهنّ من وسائل امتلاك قلوب العرب ما يروض كل عصى، ويستقيد كل أبي، ويستميل كل نافر، ويستذل كل جامح.