للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسنسوق إليك في حديث الشواعر والمغنيات من ذلك شيئاً كثيراً.

ومن فضل الشواعر من الجواري على نظرائهن من الرجال أنهن كن يجمعن الشعر والغناء، فكانت الجارية تقول الشعر ثم تُوّقعه ثم تتغنى به فتخرجه أحسن مخرج وتؤثر به أنفذ تأثير.

[بذل]

ومن هلاء بذل المغنية جارية جعفر بن موسى الهادي، وكانت أستاذة محسن ومحسنة، وكانت فيما ذكروا أروى خلق الله للِغناء وأخبار المغنين، وكانت قولها إنها تروي ثلاثين ألف صوت، لها كتاب جمعت فيه اثني عشر صوت ويقال إنها كتبته في يوم وليلة! وهو قولٌ ظاهر الغلق على أنه دليل على ما بلغته في فنّها من سموّ وبُعد غاية.

وكان كلّ مغنّ يصف نفسه بالسبقِ في فنه والتفرّد في إحسانه إلا بين يدّي بذل فهنالك يتضاءل فخره ويلتبس سبيله حين تأخذ عليه نواحِيَ الفنّ فلا يجد عنها مَصْرفاً ولا مَحِيداً.

وكان إبراهيم بن المهدي سيد الغناء يعظمها ويتوافى لها، ثم تغير بعد ذلك استغناء بنفسه عنها، فصارت إليه، فدعا بعود فغنت في طريقه واحدة وإيقاع واحد وإصبع واحدة مائة صوت لم يعرفه إبراهيم منها صوتاً واحداً، ووضعت العود وانصرفت فلم تدخل داره حتى طال عناؤه فيها وطلابه لها وتوسله إليها.

ومن حديثهم أن شَيْخ المغنين إسحاق بن إبراهيم الموصلي خالف بذلا في نسبة صوت غنته في حضرة المأمون، فأمسكت عنه ساعة، ثم غنت ثلاثة أصوات وسألت إسحاق عن صانعها فلم يعرفه، فقالت للمأمون: يا أمير المؤمنين ثلاثة هي والله لأبيه أخذْتها من فيه! فإذا كان هذا لا يعرف غناء أبيه فكيف يعرف غناء لا

غيره؟! فاشتدّ ذلك على إسحاق حتى رُؤِىَ في وجهه.

<<  <  ج: ص:  >  >>