للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت بذل لجعفر بن موسى الهادي فوصفت لمحمد الأمين في عهد خلافته فبعث إلى جعفر يسأله أن يُزِيره بذلاً فلم يفعل، فوافاه الأمين في منزله فسمع من الغناء ما لم يسمع مثله قط، وأحب الخليفة أن تكون له بذل فاستامها من ابن عمه، فقال جعفر: يا سيدي مثلي جارية. قال هبها لي، قال: هي مدبرة، فاحتال الأمين عليه حتى أسكره وأمره بحمل بذل إلى حرَّقته وانصرف بها، فلما أفاق جعفر سأل عنها فأخبر الخبر فسكت، فبعث إليه الأمين من غده فجاء وبذل جالسة فلم يقل شيئاً، فلما أراد أن ينصرف قال الأمين: أوقروا حراقة ابن عمى دراهم. فأوقرت فكان مبلغ ذلك عشرين ألف ألف درهم، ووهب لها الأمين من الجواهر ما لم يملك أحد مثله وبعد مقتله رغب غليها وجوه القواد والكتاب وبني هاشم في التزويج، فأبت وأقامت في مواطن الإجلال من الخلفاء والأمراء وصدور الدولة حتى ماتت.

[عنان]

وهي أحسن شعراء بديهة وأسبقهم نادرة وأعذبهم حديثاً وكل ذلك في رقة وجمال قلّ أن يكون لغيرها، وهي من مولدات اليمامة وبها كانت نشأتها ثم اشتراها الناطفي أحد المُقيّنين في بغداد، فكان بيته من أجلها مندَى العظماء والشعراء والعلماء. وكان أمراء الشعر يأتونها فيلقون عليها البيت أو البيتين فتجيزهما بما لم يخطر لهم على بال.

ومن حديث مروان بن أبي حفصة شاعر المهدي والرشيد أن الناطفي لقيه فدعاه غلى بيته فانطلق معه، ودخل إلى عنان قبله، فقال لها: جئتك بأشعر الناس مروان ابن أبي حفصة، وكانت تشكو علة، فقالت إني عن مروان في شغْل. فأهوى إليها بالسوط، وقال لمروان، ادخل فدخل وهي تبكي ورأى الدمع ينحدر من عينها

فقال:

بكت عنانٌ فجرى دمعها ... كالدر إذ ينسلّ من خيطه

<<  <  ج: ص:  >  >>