فقال مروان: أعتق ما أملك إن كان في الجنّ والإنس أشعر منها.
وقيل: إن الرشيد جلس ليلة ومعه سُمَّاُه، فغناه بعض من حضر منم المغنين بأبيات جرير التي يقول فيها:
إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك ما يزال مَعينا
فطرب لها الرشيد طرباً شديداً، وقال لجلسائه: هل نمكم من يجيز هذه الأبيات وله هذه البدرة - وبين يديه بَدْرَة من دنانير - فلم يصنعوا شيئاً، فقال خادم من خاصة خدمه: أنا بها لك يا أمير المؤمنين، قال: شأنك، فاحتمل البدرة، ثم أتى الناطفي فقال: استأذن على عنان، فدخل وأخبرها الخبر، فقالت: ويحك وما الأبيات؟ فأنشدها إياها، فقالت اكتب:
هيجت بالقول قد قلته ... داءً بقلبي ما يزال كمينا
قد أينعت ثمراتهُ في روضها ... وسُقِين من ماء الهوى فَرَوِينا
كذب الذين تَقَوَّلوا يا سيَّدي ... إن القلوب إذا هَوَيْن هوِينا
فدفع إليها البدرة ورجع إلى هارون، فقال له: ويحك، من قالها؟ قال: عنان جارية الناطفي. فقال: حللتُ الخلافة من عنقي إن باتت إلا عندي. فاشتراها منه بثلاثين ألفاً.
وقال أحمد بن معاوية: تصفحت كتباً فوجدت فيها بيتاً جهدت جهدي أن أجد من يجيزه فلم أجد. فقال صديقي لي: عنك بعنان جارية الناطفي، فأتيتها فأنشدتها البيت وهو:
وما زال يشكو الحبَّ حتى رأيتهُ ... تنفَّس من أحشائه وتكلما