بدأت الأندلس في خلال المائة الخامسة تميد بأعباء الفتن السياسية، فقد سقطت الدولة الأموية ونهضت في أثرها دويلات المتغلبين من ملوك الطوائف وكان من شأن ذلك التمزيق لذي فرق أوصال الملك وشتت شمل الأمة أن يخمد جذوة العلم ويوهن قوة الأدب، لولا أن الرعيل الأول من أولئك المتغلبين كانوا من أئمة العلم
وفرسان الأدب وأعيان البيان، فأعانوا العلماء والأدباء والشعراء بكل ما في طوقهم من معونة وما في خزائنهم من مال! وتنافسوا في استيزار الكتاب والشعراء واستزارة الأدباء والعلماء حتى أثمرت المواهب الناضرة وانحسرت العقول النيرة عن أفضل نتاج من العلم والأدب.
وفي هذا العصر وما يليه تَسَامَى خيال أهل الأندلس إلى أبعد ما يتسامى إليه خيال الشاعر الساحر، وجاءوا بالمقطعات النادرة والموشحات المبتكرة، وبزُّوا أهل العراق في وصف ما امتازت به بلادهم ممن مظاهر الطبيعة المشرقة، ومسارح الحياة المتألقة، فلا تجد أوصف منهم للرياض والغياض والبحار والأنهار والمناره والملاعب والطير والهديل والسَّخَر والأصيل.
وبدأت المرأة الأندلسية في هذا العصر تنكشف وتأخذ فيما أخذ الناس في من لهو ونعيم، وجاذبت الرجل فنون المرَح وقالت ما لم يكن يقوله غيره من تغزل وتخالع وتفرُّق وتواصل، ومناقصة ومماجنة، ومناقلة ومداعبة، ولكن الأخلاق بقيت في جملتها مستمسكة في هذا الجيل من النساء.
وأو من سنت للنساء سنة الانكشاف والاستخفاف وَلاّدة بنت المستكفي سليلة بيت المُلك الأموي في الأندلس.
وكان أبوها المستكفي بقية ملوك أمية، ولم يمهله الزمن حتى غُلب على أمره