إن المرأة التي انحسرت عن أشد أمم الأرض بأساً، وأسماها نفساً، وأدقها حساًّ وأرسخها في المكْرمات أقداماً، وأرفعها في الحادثات أعلاماً، وأوفرها في المشكلات أحلاماً، وأمدها في الكرم باعاً، وأرحبها في المجد ذراعاً؛ تلك المرأة التي انحسرت عن هذه الأمة، وأحلها الرجل أسمى المواطن من نفسه ورأيه ومشورته، لحريٌّ بالقلم أن يقف دون وصفها خاشعاً متراجعاً.
نشأت المرأة العربية ونشأ معها نصيب من عزة الجانب وحرمة الرأي. وقد علمت مما أسلفنا لك وستعلم مما يمر بك أنها بلغت منها غايتهما فأنالها ذلك فضل ما وصلت إليه من شرف النفس، ومضاء القلب، ونفاذ الرأي، وسموّ العاطفة.
إن المرأة التي سُلِبتْ نفسها ورأيها، وحُرمت نصيبها من الوجود، ووسمت بوسام من الذل والهوان، لا تكون امرأة فاضلة، ولا تنكشف عن أُمة فاضل. ذلك لأن المرأة إذا استشعرت المهانة من ذويها هانت عليها نفسها، وأحر بمن هانت عليه نفسه ألا يمتنع عن دينه، ولا يعتصم من منقصة.
كل ذلك أدركه العرب منذ التاريخ القديم. فقد ذكر كلاي - فيما وصل من مباحثه عن دولة بابل أو العمالقة الأقدمين ٢٤٦٠ - ٢٠٨١ ق م - أن المرأة يومذاك كانت ممتعة بحريتها كاملة غير منقوصة وأنها كانت هي والرجل على سواء في تصريف الرأي، وتسُّنم المناصب.