للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تنبسط عليه أيديهم، وأصاب ذلك منهم نفوساً مبيحة، وسرائر نازعة، فشغفوا به، وشغلوا بالحديث عنه، وغرّهم من أمره ما وجدوا من تبسيط الرهبان لهم بالسمَر والمحادثة، وبالمحاورة والمجادلة، وبالكرم والضيافة، وبكل ما تسكن إليه النفس وتطيب به، فإذا رأيت انخلاع القوم في الفتنة بهذه الديارات فإنما هي فتنة الطمع فيما عزّ عليهم، والتشبيب بما ندّ عن حياتهم، والولوع بفنون الجمال المتناسقة هنا لك من ظل وبستان ورَوح وريحان، ووجوه حسان، وشراب روىّ، ومسمع ندىّ، وما إلى ذلك من فتنة السمع والبصر والنفس والقلب.

وجميل بنا أن نلم إلمامة بأشهر الدَّيَرَة التي فتنت العرب وأثارت مشاعرهم

وأرسلت أشعارهم، ومن جملة ما يساق لك من الشعر تعلم كيف كان شغف القوم بتلك المواطن

[من ديارات العراق]

[دير أحويشا]

ومكانه بديار بكر، وكان غاية في السعة والبهاء، وحوله البساتين والكروم، ويحمل خمره إلى ما حوله من البلدان لجودته، وإلى جانبه نهر يعرف بنهر الروم وفيه يقول محمد بن طناب الشاعر:

وفتيان كهَّمك من أناس ... خفاف في الغدوّ وفي الرواح

نهضت بهم وستر الليل مُلْقى ... وضوء الصبح مقصوص الجَناح

نؤم بدير أحويشا غزالاً ... غريب الحسن كالقمر اللياح

وكابدنا السرى شوقاً إليه ... فوافينا الصَّباح مع الصباح

نزلنا منزلاً حسناً أنيقاً ... بما نهواه معمور النواحي

قسمنا الوقت فيه لاعتباق ... على الوجه الجميل ولاصطباح

<<  <  ج: ص:  >  >>