أما بعد: فإنا لا نخدع التاريخ في ماضيه، فنمثله زهر الأشواك فيه. فلئن كان من الحب ما يُمضُّ ويؤذي، ومن الصداقة ما يضر ويؤلم، لقد أصيبت المرأة العربية في سبيل إعزازها والحرص عليها بلواذع بلغت في بعض المواطن حبة قلبها ومستقرّ حياتها.
فمن ذلك السباء. وذلك أن العرب كانوا يُعقبون صفوف القتال بنسائهم، وذوات أرحامهم، تثبيتاً لأنفسهم، وتشديداً لعزائمهم. وربما أحيط بهم، وغلبوا على أمرهم، فيكون هَمٌّ الظافر أن يتخذ نساء المقهور سبايا يسوقهن إلى بيته، ويتحكم فيهن كما يتحكم في ماله، لا لحاجته إليهن، بل ليقطع باستلابهن آخر عرق ينبض من قلب عدوه فيعيش ذليل الناصية، مُقَنَّع الوجه أمد الحياة.
على أنهم وإن غلظت إلى هذا الحد أكبادهم على أعدائهم فهم يعرفون لسباياهم منازلهم بين قومهن فيخلطونهن بأنفسهم، إلا قليلا ممن أرّث الحقد صدورهم، وملكت الضغينة منازع الرحمة من قلوبهم. وفي أولى الحالتين يقول حاتم بن عبد الله الطائي:
فما أنكحونا طائعين بناتِهِم ... ولكن خطبناها بأسيافنا قسرا
فما زادها فينا السباء مذلة ... ولا كُلَّفت خَبزا ولا طبخت قدرا
ولكن خلطناها بخير نسائنا ... فجاءت بهم بيضاء وجوهُهمُ زُهْرا
وكائن ترى فينا من ابن سَبِيَّةٍ ... إذا لقي الأبطال يطعنهم عذْرا