للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[زينب ملكة تدمر]

مدينة قاصية قامت بين نطاق من الصحراء، فتألقَ لألاؤُها، وتبلَّجَ بهاؤها، وأخذت تبدو كما شق النجمُ رداء الظلمات، في كبد السماء. نهضت بها امرأة من العرب، فبسطت سلطانها، ونشرت أعلامها، على ما بين مجاهل السودان، ومعالم أنقرة، من مسالك وممالك، وأمم وشعوب.

تلك هي تدمر، في عهد ملكتها زينب.

تقع تدمر في بادية الشام إلى الشمال منها، على مدى مائة وخمسين ميلاً من دمشق، ومسيرة خمس أيام من الفرات. وهي ملتقى الغادين والرائحين بين الشام والعراق. لذلك كان انتجاع أهل هذا البلد إلى ذينك القطرين لا ينقطع. ومن أجل ذلك جمعوا بين مدينتي الفرس والرومان، فأرهفت لذلك طباعهم ورقت شمائلهم، ونَفَذَت أفهامهم، وطفقوا يقيمون البنية ترسخ أصولها في أعماق الأرض، وتناغى مشارفها منازل الأفلاك. ومن أدل ذلك على ما نقول هيكل الشمس أو هيكل بعل. والقصر الأعظم الذي بلغ ذرعه ألفى ذراع في مثلها. ولا تزال أطلالهما باقية تعنو لها الوجوه، وتخشع بين أيديها القلوب.

تلك هي الأمة التي قامت بأمرها زينب فبلغت بها غاية ما أسلفنا لك.

تَنَقَل الملك بزينب في دورين: فكانت مشيرة لزوجها، ثم وصية على ولدها وفي كلا الدورين كانت الوحي الُملهم، واليد الطائلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>