كانت زينب على فرط من جمالها، وعذوبة منطقها، وسماحة أسلوبها، ونفاذ لها، وعظمة قلبها؛ من أشد الناس بأسا، وأمضاهم عزماً، وأرسخهم في الحروب قدماً.
وكانت إذا وقفت الصفوف، وأُشرعت الرماح، والتمعت الأسنة؛ تتقلد سيفها وتعتقل رُمحها، وعلى رأسها خُوذة مُرصعة بالدر والياقوت، وقد تَدَلَّت فوق غلالتها أهداب من الحرير الأُرجواني، ثم تمر بين الصفوف مُجَرَّدة يُمنى ذراعيها كما يفعل أبطال اليونان والرومان، فُيذهل القوم عن نفوسهم، وتملك عليهم
مشاعرهم حتى تكون أبصارهم التي يبصرون. وأيديهم التي بها يبطشون، وقلوبهم التي بها يشعرون، ثم يصَبُّون على أعدائهم كما تنصب النار على هشيم الكلأ. بذلك افتتح جندها ما افتتحوا من بلاد، واقتحموا ما اقتحموا من معاقل. ولذلك أشادت الأمم قديماً بذكرها، وأفسحوا لأخبارها وسِيَرها المكان الأوفى من صدور تاريخهم. وبطون صحائفهم.
وكانت زينب تجيد لغات الفرس واليونان والرومان وأخلاط من يليها من شعوب وقبائل.
على أن هذه الجمرة المستطيرة نكبت في آخر عهدها نكبة لم تجد لها من مُقيل. فقد فجأتها جنود الرومان معقودة اللواء بكف أورليان وكان في جيشها جمع لا يُحصَون عدداً ممن انحسر عنهم ظل الروم في عهدها، يولونها ظاهر الطاعة وزمام قلوبهم بأيدي سادتهم الأقدمين، فكانوا الفتنة والاضطراب في جندها. وكان سبيل ذلك أن تراجعت جنودها مرة بعد مرة حتى إلى أمرها إلى التسليم