في المطبق فما زال به حتى انقضى عهد المهدي والهادي وأخرجه الرشيد في عهده.
وممن أحسنوا بث الجواري للرقابة: المأمون، وكان عنده أسرار رجال دولته جميعا ولما ذاع رأيه في خلق القرآن وخاصمه عليه قوم من سراة أهل الرأي والعلم وثبتوا على خصومته رغم ما أصابهم منه من شدّة وعنت أذاع في الناس أسرار كل منهم وخفي عيوبه ومكنون دخائله! وما عرف ذلك كله إلا من هذا الطريق.
والعجب أن هذا الأسلوب من الرقابة قد ذاع بين الناس حتى أرصد بعضهم الجواري على بعض، ويعجبني من رقيق الشعر قول الناشئ في جاريته رقيبة:
فديتك لو أنهم أنصفوا ... لقد منعوا العين عن ناظريك
ألم يقرءوا ويحهم ما يرو ... ن من وحي طرفك في مقلتيك
وقد بعثوك رقيباً لنا ... فمن ذا يكون رقيباً عليك
[أمومة الجواري]
وكان آخر حلقة من حلقات امتزاج الفرس بالعرب واندماج العرب في الفرس ما
ناله الجواري الفارسيات من أمومة الأسر العربية. وقليل من رجال الحواضر العربية من لم ينزع بدمه إلى أُمّ أجنبية، ولكي نسوق لك المثل الواضح على ما نقول نذكر أن خلفاء الدولة العباسية الستة والثلاثين كانوا - إلا ثلاثة منهم - من ولد الجواري، وإذا نال الجواري شرف ولادة الخلفاء فلم يكن عزيزاً عليهن أن يلدن من سواهم.
وهذا هو البيت العلوي الذي ينزع نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الأئمة الاثنا عشر منه وهم الذين أولاهم الشيعة الإمامية جانب الطاعة، ورفعوهم إلى مواطن التقديس، وهذا آخرهم محمد المهدي الذي يدينون بأنه لا يزال حيا يأذن الله له فيخرج إلى الناس ويملأ طباق الأرض نوراً وإيمانا وعدلا