فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنَصَّفُ
فأُفٍ لدنيا لا يدوم نعيمها ... تَقَلَّب بنا وتصرف
فقال سعد: قاتل الله عدي بن زيد! كأنه إلى حيث يقول:
إن للدهر صولة فاحذرنها ... لا تبيتن قد أمنت الدهورا
قد يبيت الفتى معافىً فَيَرْدَى ... ولقد كان آمناً مسرورا
وحدثوا أن عمرو بن معد يكرب - وكان من قصاد النعمان وزواره - دخل عليها وهي بين يدي سعد، فلما نظر إليها قال: أنت حُرقة؟ قالت نعم. قال فما دهمك: فذهب بجوادات شِيَمك؟ أين تتابع نعمك، وسطوات نقمك؟ فقالت: ياعمرو، إن للدهر عثرات وعبرات تعثر بالملوك وأبنائهم، فتخفضهم بعد رفعة، وتُفْردهم بعد منعة، وتذلهم بعد عز. إن هذا الأمر كنا ننتظره، فلما حل بنا لم ننكره. قالوا: فلما انصرفت من لدن سعد لقيها نساء القادسية، فقلن لها: ما فعل الأمير؟ قالت: أكرم وجهي، وإنما يكرم الكريم الكريم.
[صفات في فقرات]
لما قتل الحارث بن ظالم المُري، خالد بن جعفر العامري، لحق بحاجب بن زرارة التميمي يعتصم به من بني عامر. فاتبعه رجال منهم. حتى إذا كانوا ببعض الطريق، عثروا بامرأة تميمية تجني الكمأة، فتعرفوا منها أمر الحارث ومكانه من حاجب. ثم احتجزوها عندهم. فترقبت حتى أنست غرة من القوم فأفلتت: وانطلقت
تعدو إلى حاجب. فأخذت تحدثه حديث القوم. فقال لها: أخبريني أي قوم أخذوك؟ قالت أخذني قوم يقبلون بوجوه الظباء، ويدبرون بأعجاز النساء. قال: أولئك بنو عامر. قال: فحدثيني من في القوم؟ قالت: رأيتهم