للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهل رأيت كهذا؟ خليفة رسول الله، تُشد بين يديه الزنانير وتعلق الصلبان ويُرفع الخوص والريحان! ذلك ما تحدثنا به الأخبار عن الخليفة المأمون.

وهل كان يخطر بنفسك أن يستحل خليفة المسلمين دم مسلم من أكبر رجال دولته لأنه طلب جاريته، ثم علم أنها أصبحت حاملا منه. فلم يكن له سبيل إليها.

أما الرجل فعلي بن هشام، وأما الجارية فمتيم الهاشمية، وأما الخليفة فالمأمون ومتيم تلك جارية تنقل بها الرق من رجل إلى رجل، واجتمع إليها الناس تغنيهم وتطربهم فهل تعلم مآل أمرها بعد أن قُتل سيدها في سبيلها؟ لقد اتخذها الخليفة المعتصم ابن الرشيد لا جارية ولا مغنية، بل زوجة ذات إكليل وتاج.

وحديث القوم كله على هذا النسق، كلما جاء خليفة أحدث في تبذله حدثاً واستجد جديداً. وكان من أعجب حديثهم أن المسترشد خص ولده الراشد بعدة جوار ليلاعبه وهو صبي مراهق، فحملت منه إحداهن وهو دون البلوغ. هكذا يقول ابن

الأثير.

[نفوذ الجواري]

وكان من أثر تلك الغلبة على القلوب أن غلبن كذلك على سياسة الملك وتدبير الرعية.

فهذه الخيزران جارية المهدي وأم ولديه موسى وهارون، قد بلغت من سعة الجاه ونفاذ الكلمة ما لم يبلغه وزير أو أمير. وكان بابها محط الولاة والقواد، ومهبط ذوي الحاجات والآمال، حتى فشت فيها القالة وساء عنها الحديث وكذلك أمرها في عهد مولاها وزوجها المهدي.

ولما صارت الخلافة إلى الهادي درجت على سيرتها في عهد أبيه. وكان الهادي فتى ألمعي القلب عزيز الجانب، غيوراً على الحُرم. فلما رأى الوفود تنثال على أمه

<<  <  ج: ص:  >  >>