أرسل إليها ألا تخرج من خفر الكفاية غلى بذاذة التبذل، فإنه ليس من قدر النساء الاعتراض في أمر الملك، وعليك بصلاتك وتسبيحك وتبتلك، ولك بعد هذا طاعة مثلك فيما يحب لك فلم يثنها ذلك القول الحكيم عما أَلِفَتْهُ، حتى إِذا مضى عليها أربعة أشهر جاءت مرة تكمله في أمر لم يجد غلى إجابتها إليه سبيلا، فقالت لا بدّ من إجابتي! قال لا أفعل، قالت فإني قد تضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك، فغضب موسى وقال ويلي علي ابن الفاعلة! قد علمت أنه صاحبها، والله لا قضيتها له، قالت إذاً والله لا أسألك حاجة أبدا، قال إذاً لا أبالي، وحمى وغضب، فقال مكانك تستوعب كلامي! والله - وإلا فأنا نفي من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم - لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قؤادي أو أحد من خاصتي أو خدمي، لأضربن عنقه، ولأقبضن ماله، فمن شاء فليلزم ذلك. ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك في كل يوم؟ أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك، أو بيت يصونك؟ إياك ثم إياك! ما فتحت بابك لملي أو لذمي
فانصرفت ما تعقل ما تطأ فلم تنطق عنده بحلوة ولا مرة.
ثم جمع الهادي قوّاده ورجال دولته. فقال لهم: أيما خير، أنا أو أنتم؟ قالوا بل أنت يا أمير المؤمنين، قال فأيما خير أمي أو أمّهاتكم؟ قالوا بل أمّك يا أمير المؤمنين، قال فأيكم يجب أن يتحدّث الرجل بأمّه فيقول فعلت أمّ فلان، وصنعت أمّ فلان، وقالت أمّ فلانة؟ قالوا ما أحد منا يحب ذلك، قال فما بال الرجال يأتون أمي فيتحدثون بحديثها؟! فلما سمعوا ذلك انقطعوا عنها فشق ذلك عليها وحلفت ألا تكلمه.
ولكن هل كفاها منه ذلك الهجر، وهل تروي المغاضبة غليل المرأة التي ترضعها أفاويق الملك، وتسكرها بكأسه، وتشعرها بعزته، ثم تعود فتكف يدها وتكم فاها وتلزمها خدرها؟