وإحسانا، أولئك جميعاً لا نجد منهم في العهد العباسي إلا من كانت أمه جارية.
وبعد: فذلك كان شأن الجوار في العراق وتلك غايتهن التي انتهين إليها من الاحتكام بقلب الرجل العربي، والتفرد بالمكان المحبوب في المجتمع العربي، والتمكن من قيادة الأسرة العربية، والوصول بالأمة الفارسية إلى القضاء على العصبية العربية.
والآن ننتقل إلى حديث الجواري في الأندلس ومدى أثرهن في حياتها وقوّة تأثيرها في نسوتها.
[الجواري في الأندلس]
أقام الأمويون ملكهم بالأندلس كما أقامه أسلافهم بالمشرق على دعائم العصبية القبلية والبداوة العربية، لأن هذه السياسة وسيلتهم في تمكين الملك ومعاناة الفتوح، فعبروا دهراً من الزمن لا يتخذون الجواري إلا للمهنة والاستيلاء، فأما الحظوة والمكانة فللعقائل من بنات العرب.
كذلك لبثوا قرنا ونصف قرن أخمدوا فيها الفتنة وسكنوا مضطرب الملك ثم بدءوا
يأخذون لأنفسهم نصيبا من الراحة ويبتغون لها طريقا إلى السرور فأصغوا إلى المشرق ونظروا إلى بغداد واستقدموا بعض جواريها المغنيات.
[قمر]
ومن أول هؤلاء قمر البغدادية، وهي قيْنة مغنية من أنواع قيان بغداد وأصنعهن في الغناء وأعرفهن بفنون الكلام، سمع بها إبراهيم بن حجاج صاحب أشبيلية في أخريات القرن الثالث فوجه إلى بغداد بأموال عظيمة اشتريت بها حتى إذا قدمت الأندلس ازدرى بها نساء العرب لأنهن يألفن جارية ذات مكانة، وأخذن يتهامسن إذا مرت ويتغامزن إذا غنت، فقالت هي في ذلك: