وإذا خرجت قنعت سائر وجهها فلا يظهر منه شيء، ولكن الحال أخذت تتبدل رويداً في هذا الجيل، وبدأ نسوة هذا العصر يتحسرن عن هذا الضرب من الحجاب فهن يخرجن الآن في وضع النهار، ويتركن ما كثف من الحجاب إلى ما شفّ منه، ويأخذن مأخذ المشرق الأدنى من الثورة ما كان عليه أمهاتهن من عزلة واحتجار على أن ذلك لم يجاوز أهل المدن، أما نسوة البادية فقد بقي لهن أكثر ما كان لأمهاتهن من فطرة وطبع وأخلاق.
[حالتها الفكرية]
لم تكن المرأة المغربية بنجوة عما كان عليه الرجل من علم محدود، فقد جاذبته أسباب ذلك العلم وظهرت في بعض نواحيه، ويتحدث أهل المغرب عن كثير من النساء تناولن الشعر والنثر وإن لم يكن فيما تناولنه شيء يستحق التدوين.
وأكثرنا عرف به الممتازات من نساء المغرب الأقصى حفظ القرآن الكريم بقراءاته جميعاً ورواية الحديث ودروس الفقه والأصول وما إلى هذه من علوم
الدين ويذكر أهل ذلك الإقليم ثمانين امرأة من نساء المغرب جمعن إلى النفاذ في ذلك كله حفظ مدونة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه وهي أكبر المطوّلات الجامعة في الحديث والفقه.
وفي إقليم شنقيط حيث البداوة التي لا تشوبها كلفة العيش ولا رفاهة الحياة يسير النساء في مساق الرجال من دروس علوم الدين وقراءات القرآن الكريم. وهنالك تعقد المحافل لامتحان الحفاظ الذين حفظوا الكتاب الكريم بمختلف قراءاته فيجلس أشياخ القراء صفا ممدوداً ويجلس الحافظ أمامهم وظهرُهُ إليهم ويتلو ما يطلبون تلاوته منه مرويا بما يقترحون عليه من الروايات. ولا بأس أن يكون في هذا المحفل طائفة من النساء.