حتى اقتادوا الجيوش من صوب خراسان، فصدعوا بها ملك بني مروان. على أن يد المرأة لم تترك مقادة تلك الثورة المبيحة المُنيحة.
هنالك قيض الله لعظيم بني هاشم من ملأت قلبه عزماً، ويده مالا، ونهجه وضحاً ونوراً وتلك هي زوجه أم سَلَمة ابنة يعقوب بن سلمة.
كانت أم سلمة قبل أن تصير إلى السفاح زوجاً لعبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك. فكانت لذلك أعرف الناس بِسرّ بني أمية، وأوقعهم على خبيئة أمورهم فلما هلك عنها اجتمع لديها تراث زوجها وأبيها، وكلاهما كان غنيا موفور الغنى. فأما ما ملكت من سماحة الرأي ورجاحة العقل، فكان أوفر من مالها وأتم.
أرسلت أم سلمة مولاتها إلى السفاح تخطبه، وحّملتها سبعمائة دينار تقدمها إليه إن شكا الفاقة إليها. فلما عرضت الجارية أمر مولاتها، قال: أنا مملق لا مال عندي. فقدمت إليه هدية سيدتها. وهنالك سارع السفاح إلى الزوجة المواتية بمالها. وكان ما لقيه من نفاذ رأيها وإحكام تدبيرها، أتم وأوفى. فلم يكن يصدر إلا عن رأيها ومشورتها، وبها عرف مواطن الداء من أعدائه، وإليها كانت إفاءته في خلافته:
[المرأة والخوارج]
الخوارج قوم يبتغون الكمال في الخلافة، فهم يريدون الإمام العادل الثَّبت، الذي يقوم بإجماع المسلمين، وينزل من الأمر على شورى المسلمين. ذلك مبدؤهم الذي خرجوا به، وقاتلوا الناس عليه. على أنهم أسرفوا فيه وغلوا غلوّاً كبيراً، حتى