في حمير وخَثْعَم وجُعْفي وهَمْدَان. ولقيهم الريان في أربعة عشر حيا من أحياء اليمن فاقتتلوا قتالا شديداً. ثم تحاجزوا. وإن الريان خرج تحت ليلته هو وأصحابه هُرباً، فساروا يومهم وليلتهم، ثم عسكروا، فأصبح عاطس فغدا لقتالهم فإذا الأرض منهم بلاقع، فجرد خيله، وحث في الطلب، فانتبهوا إلى عسكر الريان ليلا؛ فلما كانوا قريباً منه، أثار القطا، فمرت بأصحاب الريان، فخرجت حذام بنت الريان إلى قومها فقالت:
ألا يا قومنا ارتحلوا وسيروا ... فلو ترك القطا ليلا لناما
أي إن القطا لو ترك ما طار هذه الساعة؛ وقد أتاكم القوم. فلم يلتفتوا إلى قولها؛ وأخلدوا إلى المضاجع لما نالهم من التعب. فقام دَيْسَم بن طارق وقال بصوت عال:
إذا قالت حَذَامِ فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام
وثار القوم؛ فلجئوا إلى واد قريب منهم؛ فانحازوا به وحتى أصبحوا وامتنعوا منهم
مَرْعىً وَلا كالسَّعدَان
يضرب للشيء يفضل على أقرانه وأشكاله.
وأول من قال ذلك الخنساء بنت عمر بن الشريد. وذلك أنها أقبلت من الموسم - في عكاظ - فوجدت الناس مجتمعين على هند بنت عتبة بن ربيعة فَعرَّجت عليها وهي تنشدهم مراثي في أهل بيتها. فلما دنت منها قالت: على منْ تبكين؟ قالت: أبكي سادة مضوا. قالت: أنشديني بعض ما قلت؛ فأنشأت هند أبياتاً أسلفنا. فقالت الخنساء: مرعىً ولا كالسَّعدان.