بها والتهوين من أمرها، وإن يكن ذلك عجيباً فأعجب منه أن تعتب المرأة على زوجها شغفه بإحدى القيان وانصرافه عنها فيجيبها في غير خجل ولا استيحاء بمثل ما أجاب به محمد ابن بشير الناشئ زوجته، ثم يذيع هذا الجواب في الناس فيتغنى به في بغداد، وغير بغداد وذلك بقوله:
لا تذكري لوعة إثرى ولا جزعا ... ولا تقاسِمينَ بعدي الهم والجزعا
بل ائتَسي تجدي إن ائتَسَيْتِ أُسىً ... بمثل ما قد فجعت اليوم قد فُجعا
ما تصنعين بعينٍ قد طمحَتْ ... إلى سواك وقلب عنك قد نَزَعا
إن قُلت قد كنتُ في خفض وتكرمة ... فقد صدقت ولكن ذاك قد نُزعا
وأي شيء من الدنيا سمعت به ... إلا إذا صار في غاياته انقطعا
ومن يطيق خليعاً عند صبوته ... أم من يقوم لمستور إذا خلعا؟
فهذا الشاعر يصارح امرأته الحرة بانصرافه عنها إلى غيرها من القيان ويأخذها بالتأسي بما أصيب غيرها من جفوة وهجران، وذلة وهوان، ثم يلقنها من الحقائق أن المستور إذا خرج إلى الفجور سار طلق العنان لا ترده قوّة ولا يثنيه بيان وفي ذلك كله ما يكشف لك عن صورة هذا العصر ويمثله أوضح تمثيل.
[الإغراء بالفساد]
وكان كل ما حول المرأة يدفع إلى الإثم ويغري بالفساد، فقد أصبحت وإذا هي في ميدان فسيح تغمره اللذات وتدفعه المحرجات، فعن الرجال يستحدثن كل يوم أسلوبا من اللهو، ويستجدّون ضروبا من الشهوات، لا يتورعن لمندية ولا يسكنون إلى روية، ولا ينزعون عن حمية، بل ساروا خفافا تدفعهم المآرب والأوطار، وتحدوهم الكؤوس والأوتار، وعن يسارها الجواري يجرّون أذيال اللهو