ويجرين في مستبق الفساد ويتصدّين للرّجال بما يستخف ألبابهم من خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وأنشأ الشعراء وهم ألسنة القوم وعنوان أدبهم يُغرون الرجال بالحرائر ويُضرونهم عليهنّ ويُشككونهم فيما عسى أن يبدينه من عفة وما يتجملن به من إباء، وكان إمام أولئك الغواة بشار بن برد، وهو أوّل من اتهم الحرّة في صيانتها وأمانتها وأطمع الرجال في إسلاس قيادها بعد إفراط عنادها، وذلك حيث يقول:
لا يؤيسنَّك من مخدّرة ... قول تغَلَّظهُ وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرة ... والشيء يسهل بعدما جمحا
ثم استن في غباره أبو نواس الحسن بن هانئ فأتى ببدع من القول في قوله:
كان الشباب مطية الجهل ... ومُحَسَّن الضحكات والهزل
والباعثي والناس قد رقدوا ... حتى أزور حليلة البعل
فانظر إلى أي حدّ مَرِنت الألسنة واطمأنت الأسماع إلى مقال السوء وإشاعة الفاحشة بين الناس! فإذا تأمّلت ذلك فأشفق على قلبك أن يذوب أسى، وأبق على نفسك أن تذهب حسرات! يا ويْحَ هؤلاء الناس! أفي دولة إسلامية تُظلها خلافة إسلامية يقال ذلك القول وليس في الناس رادّ ولا دافع!! أبَلَغ من فساد المروءة ورقة الدين أن يتحدّث شاعر الخليفة بأنه كان يدرج في ظلمة الليل إلى حرم البيوت فيسلب ذات الزوج عفتها وفي المسلمين إمام يقيم الحدود ويمنع الحرمات!! فأين هذا من العهد الجاهلي الذي يقول قائله:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها