على أن أمير المؤمنين لم يطمئن به الأمر، ولم تصف له الحياة، بعد أمّ المؤمنين فقد عرض له منم النساء خصم جديد، ومن الرجال خصم جديد، وكلاهما اشتدّ أزره، وقوى أمْرُه بصاحبه. أمّا الرجل فمعاوية بن أبي سفيان، وأما المرأة فنائلة بنت الفرافصة زوج الشهيد المظلوم عثمان بن عفان.
كانت نائلة من أعذب النساء قولاً، وأذكاهن قلباً، وأكملهن خلقاً.
ولما تسَوَّر الثائرون على عثمان، وتبادروه بالسيوف، أَلقت بنفسها عليه حتى تكون له وقاء من الموت. فلم يَرْع القتلة الأثمة حُرْمتها، وضربوه بالسيف ضربة انتظمت أصابعها، ففصلتهن عن يدها، ونفذت إليه فجندلته، ثم ذبحوه كما يذبح الجمل الذلول رحمه الله ورضى عنه.
أرادت نائلة أن تنتقم، وحُق لها أن تنتقم؛ ولكن ممن؟ لم تجد أمامها إلا عليا؛ فهو أمير الناس بعد زوجها؛ وولي الدم المُضيعة في نظرها. فلم تجد إلا رجال الشام؛ وجند الشام؛ وأمير الشام. فهم أولى بأن تثير ثائرتهم وتضرم نار الثأر فيهم.
أرسلت نائلة إلى معاوية بأصابعها الممزقة؛ وقميص المُخضب؛ وأوحت إليه أن يعلق كل أولئك في المسجد الجامع في دمشق؛ وأن يقرأ على المجتمعين جميعاً ذلك الكتاب: -
من نائلة بنت الفرافصة؛ إلى معاوية بن أبي سفيان. أمّا بعد فإني أدعوكم إلى الله الذي أنعم عليكم، وعلمكم الإسلام؛ وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر؛