أبصرت أم المؤمنين ذلك، وأبصرت قَتلة عثمان يذهبون إلى ديارهم موفورين وحسبت الهوادة في القصاص، فانصدع قلبها وذابت حشاشتها.
وإن يك عثمان قد مات مظلوماً، فقد عاش من بعده عليٌ مظلوماً. ومن أشدَّ مظلمته أن تُؤلّب أم المؤمنين عليه المسلمين. وأن تقود الجنود إلى قتاله، في وقعة الجمل، لأنها اتهمته بالممالأة على عثمان، كما اتهمها الناس بذلك.
وفي موقعة الجمل ترامى جند عائشة على الموت كأن لهم فيه أربَا، حياطة لحرم رسول الله، وذياداً عنها، حتى لقد قتل حولها عشرون ألفا، وقُطعت على زمام هودجها سبعمائة يد، وكلما نُزعت عنه كف نَزَعت إليه أخرى. وكانت خاتمة القتال سقوط الجمل بما غشيه من النبال، وما أصاب قوائمه من السيوف ثم احتمل الهودج إلى دار عبد الله بن بُديَل، وهو أقرب الدور إلى ساحة القتال ومن هنالك آبت إلى المدينة بعد أن أحسن أمير المؤمنين مآبها، وبعث في رفقتها سبعين من نساء صحابته.
رحم الله أم المؤمنين، لقد اشتَفَت من الداء بالداء. أما والله ما نفست على ابن عم ورسول الله خلافته، ولا وجدت عليه قديم أمره. لقد كانت تدعو الناس إليه يوم قتل عثمان، لأنها تعلمه أحق الناس بالأمر، وأقربهم قرابة من رسول الله. ولكنها رأت حقاًّ ضائعاً، ودماً مطولا، وألسنة مرجفة، ووسطاء سوء، فتعجلت ما رأته واجبا، ولو صبرت لكان خيراً وأبقى، ولعمري لهي آثر عند الله وأبرَّ ممن رأي وضح الحق في زمرة عليّ قعد عنه، ونَكَل عن نصرته، وإنما الأعمال بالنيات