ثم كنّ للناس أحسن ما كن وأشبه ما يتزين به، فما أنكر ذلك منكر ولا عابه عائب.
[الجواري عيون الخلفاء]
وهنالك ناحية من نواحي العمل انبثن فيها واستشففن أسرار الملك من خلالها وذلك باتخاذهن عيونا على الوزراء والقواد ووجوه رجال الدولة، فكان الخليفة يهب الرجل جارية من جواريه فترصد منه كل إشارة وتتسمع منه أو من جلسائه كل كلمة فإذا أصبح الصباح كان ذلك كله عند الخليفة. ومن أبناء ذلك ما حدث الطبري عن يعقوب بن داود وزير المهدي قال: بعث إلى المهدي يوما فدخلت عليه فإذا هو في مجلس مفروش بفرش مورد متناه في السرو على بستان فيه شجر ورءوس الشجر على صحن المجلس، وقد اكتسى ذلك الشجر بالأوراد والأزهار، من الخوخ والتفاح، فكل ذلك مورد يشبه فرش المجلس الذي كان فيه، فما رأيت شيئاً أحسن منه، وإذا عنده جارية ما رأيت أحسن منها ولا أشط قواما ولا أحسن اعتدالا، عليها نحو ما في المجلس من الثياب، فما رأيت أحسن من
جملة ذلك، فقال لي يا يعقوب! كيف ترى مجلسنا هذا؟ قلت على غاية الحسن فمتع الله أمير المؤمنين به وهنأه إياه، قال هو لك، احمله بما فيه وهذه الجارية ليتم سرورك به، قال فدعوت له بما يجب، ثم قال يا يعقوب! ولي إليك حاجة، قال فوثبت قائماً ثم قلت يا أمير المؤمنين ما هذا إلا من موجود، وأنا أستعيذ بالله من سخط أمير المؤمنين، قال لا، ولكن أحب أن تضمن لي هذه الحاجة وأن تقضيها لي، فقلت لأمير المؤمنين وعلى السمع والطاعة، قال والله! قلت والله ثلاثا، قال وحياة رأسي، قلت وحياة رأسك، قال فضع يدك عليه واحلف به، فوضعت يدي عليه وحلفت به لأعلمن بما قال، ولأقضين حاجته، قال فلما استوثق مني في نفسه. قال هذا فلان بن فلان من ولد علي