للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حجابها وسفورها]

إن المرأة التي تضرم جمرة الحرب، وتخوض غمرتها، وترسل الكلمة فتعنوا لها الوجوه، وتتخلع من هولها القلوب! لا يضيرها أن تخرج - سافرة - إلى الرجال، تحت ظلال السلم، أو بين لوافح الحرب، وليس بنافعها أن تتوارى عن العيون، وتُسدل من دونها الحجاب.

تلك كلمة نقدمها بين يدي موضوعنا لتعلم أن المرأة العربية إذا أرخت قناعها أو حسرته عن وجهها فليس ذلك قي شيء من خياطة السرف أو ابتذاله.

ونحن إذا تكلمنا عن حجاب المرأة العربية فإن حقَّا علينا قبل ذلك أن نكشف عن معنى ذلك الحجاب حتى يكون حكم التاريخ فيه واضحاً لا عِوجَ فيه.

يطلق الحجاب على واحد من اثنين:

أولهما: قرار المرأة في دارها والاحتجاب دون الرجال فلا تكون بمرأى ولا مسمع منهم.

الثاني: إرخاء القناع على وجهها إذا غادرت دارها لبعض شأنها.

أما الأول فما كان بالمرأة من حَرَج أن تغشي مجالس الرجال، وتطرُق أنديتهم، وتخطب في محافلهم ومشاهدهم، لا في الخطب الملم، والأمر المهم، وكفى؟ بل في القليل التافه من الشئون أيضاً. فقد فصلنا فيما أسلفنا حديث امرأتين قامت كل

واحدة تثني على زوجها في نادي قومه بعد طلاقها منه من غير تحرج ولا استحياء.

وهنالك في سوق عكاظ وهو أحفل مجامع العرب، وأجمع مواسمهم، كان النساء يأتين من كل صوب وحَدَب على اختلاف مقاماتهن، وانشعاب ديارهن، فيزاحمن الرجال بالمناكب في كل ما قصدوا له، واحتفلوا به. فبينما كنت ترى امرأة تناضل الرجل في حومة القول، إذا بأخرى تخطب الناس. وإلى جانب من هؤلاء امرأتان تتناشدان الشعر وقد اجتمع عليهما خلق كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>