يا حسرتا حسرة أموت بها ... إن لم يكن لي إليك معروف
فطرب أبو السائب ونعر، وقال لا عرف الله من لم يعرف لك معروفك، ثم أخذ قناعتها من رأسها ووضعه على رأسه وجعل يبكي ويلطم بأبي أنت، والله إَني لأرجو أن تكوني عند الله أفضل من الشهد لما تُوَليناه من السرور، وجعل يصيح: واغوثاه! يا الله ما يلقي العاشقون!
وحدّث عثمان بن محمد الليثي: قال كنت يوما في منزل ابن نفيس فخرجت إلينا
جاريته بصبص، وكان في القوم فتى يحبها، فسألته حاجة، فقام ليأتيها بها، فنسى أن يلبس نعله، ومضى حافياً فقالت يا فلان نسيت نعلك، فرجع فلبسها وقال: أنا والله كما قال الأول:
وحبك يُنسى عن الشيء في يدي ... ويشغلني عن كل شيء أحاوله
فأجابته فقالت:
وبي مثل ما تشكوه مني وإنني ... لأشفق من حب لذاك تزايله
[دنانير]
وهو اسم لجارتين.
أما الأول فجارية محمد بن كناسة، وكان ابن كناسة شاعراً في الطبقة الثانية من شعراء العهد العباسي، وكانت جاريته في مثل طبقته منهم، وممن حديثها ما رواه المرزباني عن بعض شعراء الكوفة، قال: قال لي محمد بن كناسة: اشتهت دنانير أن تنظر إلى الحيرة فهل لك أن تساعدنا؟ وكان الزمان ربيعا، فقلت نعم، فقال: تقدَّمْنا لنلحق بك، فقصدت الخورنق، وجلست في بعض المواضع المعشبة،