لم يكفها منه ذلك الهجر، ولا ما فوق الهجر من شقاق ومكابرة ونزاع ومعاندة بل أمعنت في الانتقام إلى آخر ما تصل إليه النفوس الممنعة في الشر العارية من الفضيلة، فقد حرضت الأمّ جواري ولدها الشاب فقتلنه بغط وجهه والجلوس عليه حتى ماتت. . . أفرأيت كيف تشتري الجارية عزة الملك وزهرة الحياة بدم العزيز النجيب من بنيها.
أما الرشيد فقد قضى عليه أن يمكن في ملكه لامرأتين: الخيزران أمّه، وزبيدة امرأته، أمّا الخيزران فلأنها خلعت عليه رداء الملك مخضبا بدم أخيه، وأمّا زبيدة فلأن ذات الخال وأشباهها عبثن بقلبه، وغلبنه على عقله، فأراد أن يشغلها عنه.
وهل ترى أعجب من أن تغنيه ذات الخال ذات عشية فيحكمها في ملكه فتسأله أن يولي صاحبها حمويه الخادم ولاية الخراج والحرب بفارس سبع سنين، فيصدع الرشيد بالرأي، ثم يخشى أن يموت في خلال هذا الأمد فيكتب عهداً على من يليهِ من الخلفاء أن يضمن نفاذ العهد للخادم الأمير! ذلك ما رواه صاحب الأغاني عن
الرشيد.
ومضت أجيال كان فيها للجواري عزّ وشأن، وملك وسلطان، وكان من أشدّهنّ استمكاناً في الملك ومضاء في الرأي أم المقتدر، وهي جارية تركية فقد كان لها سطوة قاهرة على رجال الدولة، وكانت تتصرف بالأحكام دون ولدها، وكان الوزراء يهابونها ويرتعدون خوفا من ذكرها.
وقد عَرَض لذوات الجاه والنفوذ من الجواري فقال:
ثم لم يزل والأشراف إما يختلفن في الحوائج ويدخلن في الدواوين، ونساء يجلسن للناس. مثل خالصة جارية الخيزران، وعتبة جارية ريطة ابنة أبي العباس، وسكر وتركية جاريتي أم جعفر زبيدة ودقاق جارية العباسة، وظلوم وقسطنطينية جاريتي أمّ حبيب، وامرأة هارون بن معبوبة، وحمدونة أمّة نصر بن السندي بن شاهك