دار قوضت، إنه لا يبالي كذلك أن يرسل الشعر الباكي المسكين في جواريه! وإليك فاسمع قوله في ثلاث منهن:
ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان
مالي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... وبه قوين أعز من سلطاني
وهؤلاء الثلاث هن اللاتي صرح بأسمائهن في قوله:
إن سحراً وضياء وخنث ... هن سحر وضياء وخنث
أخذت سحر ولا ذنب لها ... ثلثي قلبي وترباها الثلث
وخنث هذه إحدى الجواري المغنيات التبذلات وتعرف بذات الخال، ولها حديث عجب، فقد تعشقها وشبب بها ثلاثة شعراء: هم: إبراهيم بن المهدي، وإبراهيم
الموصلي، والعباس بن الأحنف، وذاعت أشعارهم فيها في نواحي بغداد، وتجاوزت بغداد إلى ما سواها من البلاد، وتغنى بها الموصلي بين يدي الرشيد، ورغم كل ذلك لم يتحرج الرشيد أن يشبب بها ويتهتك فيها! وتَرَسَّم الأمين أثر أبيه، وما أظنه ابتكر ضرباً من ضروب اللهو، وأكثر ما قيل عن خلاعته ومجانته مما موهه مؤرخو الفرس على أنه كان أوهب الجميع في جد وهزل. ففي ليلة وهب إسحاق أربعين ألف دينار وفي أخرى وهب عمه إبراهيم مائتي ألف، ولا تنس أنه اشترى بذلا المغنية بعشرين ألف ألف درهم.
أما المأمون عالم الخلفاء وفيلسوفهم فقد أحدث بابتذاله حدثا لم يسبقه أحد إليه ولا نظن أحداً لحقه فيه، فقد حدّث أحمد بن صدقة أنه دخل عليه يوم الشعانين وبين يديه عشرون وصيفة رومية مزنّرات قد تزَّين بالديباج، وعلقن في أعناقهن صلبان الذهب، وفي أيديهن الخوص والزيتون.