تتولى خدمته وسَقيه ففعلت، وشرب حتى طابت نفسه، ثم أمر للدير بألف دينار وأمر باحتمال خراجه له سبع سنين فرحلنا، فلما صرنا من دابق خرجت أنا وأصحاب لي نتنزه في قرية من قراها فأقمنا بها أياماً وطلبني الرشيد فلم يجدني، فلم رجعت أتيت الفضل بن الربيع فقال لي أين كنت؟ طلبك أمير المؤمنين فأخبرته بنزهتنا فغضب وخفت من الرشيد أكثر مما لقيت من الفضل فقلت:
إن قلبي بالتل عزاز ... عند ظبي من الظباء الجوازي
شادن يسكن الشآم وفيه ... مع ظَرف العراق شكل الحجاز
يا لقومي لبنت أصابت ... منك صفو الهوى وليست تجازي
وغنيت فيه، ثم دخلت على الرشيد وهو مغضوب فقال أين كنت؟ طلبتك فلم أجدك! فاعتذرت إليه وأنشدته هذا الشعر وغنيته إياه فتبسم وقال عذر وأبيك أي عذر، وما زال يشرب عليه ويستعيدنيه ليلته جمعاء حتى انصرفنا مع طلوع الفجر، فلما وصلت إلي رحلي إذا برسول أمير المؤمنين قد أتانا يدعونا فوافيت فدخلت وإذا ابن جامع يتمرغ على دكان في الدار وهو سكران يتململ، فقال لي يا ابن الموصلي أتدري ما جاء بنا فقلت لا والله ما أدري، فقال لكن والله أدري دراية صحيحة جاءت بنا نصرانيتك. . . عليك وعليها. . . وخرج الآن فأذن لنا فدخلنا، فلما رأيت الرشيد تبسمت فقال لي ما يضحكك فأخبرته بقول ابن جامع فقال ما صدق ما هو إلا أن فقدتكم فاشتقت إلى ما كنا فيه، فعودوا بنا فعدنا فيه حتى انقضى مجلسنا وانصرفنا.
ذلك مثل من حديث الديارات، ومثله جم كثير، وما نحاول أن نتهم تلك المعابد بأنها كانت من مباذل القوم ودور خلاعتهم، ولا بأن رهبانها أباحوهم ما أرادوا من لهو ومجانة، ولكنهم وجدوا فيها فنّاً من الجمال لم يحوزوه في بيوتهم،