للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يقيم فإذا انصرف عنها شغفه الحب وشغله النوح عن بيته وآله. وما ظنك برجل من خاصة رجال الملك يسير في ركاب مولاه سميراً ونديماً حتى يبلغ ديراً فينفتل إليه ليلهو بالنظر إليه لحظة ثم يعاود فما هو إلا أن قدّموا له الشراب والطعام والكأس والنَّدام حتى ينسي الملك فيشرب وينام، وذلك ما يحدث به إسحاق بن إبراهيم الموصلي فيما رواه عنه صاحب الأغاني، قال:

خرجنا مع الرشيد يريد الرَّقة فلما صرنا بالموضع الذي يقال له القائم نزلنا وخرج يتصيد وخرجنا معه فأبعد في طلب الصيد، ولاح لي دير فقصدته وقد تعبت

فأشرفت على صاحبه فقال هل لك في النزول بنا اليوم؟ فقل إي والله وإني إلى ذلك لمحتاج، فنزل ففتح لي الباب وجلس يحدثني - وكان شيخاً كبيراً وقد أدرك دولة بني أمية - فجعل يحدثني عمن نزل به من القوم ومواليهم وجيوشهم وعرض عليّ الطعام فأجبته، فقدم إليّ طعاماً من طعام الديارات نظيفاً طيباً فأكلت منه، وأتاني بشراب وريحان طري فشربت منه، ووكل بي جارية تخدمني راهبة لم أرَ أحسن وجهاً منها ولا أشكل، فشربت حتى سكرت ونمت وأنبهت عشاء فقلت في ذلك:

بدير القائم الأقصى ... غزال شادن أحوى

بَرَي حُبَّي له جسمي ... ولا يعلم ما ألقى

وأكتم حبه جهدي ... ولا والله ما يخفي

وركبت فلحقت بالعسكر والرشيد قد جلس للشرب وطلبني فلم أوجد، وأخبرت بذلك فغنت في الأبيات ودخلت إليه، فقال لي أين كنت ويحك! فأخبرته وغنيته الصوت فطرب وشرب حتى سكر وأخّر الرحيل في غد ومضينا إلى الدير ونزله فرأى الشيخ واستنطقه ورأى الجارية التي كانت تخدمني بالأمس فدعا بطعام خفيف فأصاب منه ودعا بالشراب وأمر الجارية التي كانت بالأمس تخدمني أن

<<  <  ج: ص:  >  >>