ذلك وقد نهض من سادات العرب من حال دون الوأد بما بذل من مال جم، وسعي حميد.
ومن بين هؤلاء صَعْصَعة بن ناجية التميمي. فقد كان يلتمس من مسها المخاض فيغدو إليها ويستوهب الرجل حياة مولوده إن كان بنتاً على أن له في سبيل ذلك بعيراً وناقتين عُشَرَاوين. فجاء الإسلام وقد افتدى أربعمائة وليدة.
ومنهم زيد بن عمرو بن نُفيل القرشيّ. كان يضرب بين مضارب القوم فإذا بَصُر برجل يهم بوأد ابنته قال له: لا تقتلها. أنا أكفيك مؤونتها. فيأخذها ويلي أمرها حتى تشب عن الطوق فيقول لبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤونتها.
وللعرب غير السباء والوأد هَنوات ظلموا بها المرأة، وموعدنا بذكرها والوفاء بها عند الكلام عن المرأة العربية في عهد إسلامها إن شاء الله.
ولعمري إذا نحن أرخينا على تلك المظالم وضربنا صفحاً من أولئك الوائدين من القوم، فإنا واجدو العرب من وراء ذلك يكادون يذوبون عطفاً وحناناً على بناتهم، فهم ينزلون عما ملكت أيمانهم إغلاء لهن وإيثاراً للعز والنعمة والدلال فيهن. وأذكر أن صعصعة بن معاوية خطب إلى عامر بن الظرب - حكم العرب - وابنته عمرة فقال: يا صعصعة، إنك أتيتني تشتري مني كبدي، فارحم ولدي قبلتك أو رددتك، والحسيب كفء الحسيب، والزوج الصالح أب بعد أب، وقد أنكحتك خشية ألا أجد مثلك، أفر من السر إلى العلانية. يا معشر عَدْوان خرجت من بين أظهركم كريمتكم، من غير رهبة ولا رغبة؛ أقسم لولا قسم الحظوظ على الجدود، ما ترك الأول للآخر ما يعيش به.