وقتل، ومن بعدَهَ حَسَرت ولاّدة حجابها واتخذت قصرها مهبطاً ومنتدى خصيباً يأوي إليه كل مبدع منقطع النظير من الكتاب والشعراء، ومن هؤلاء الوزراء والعلماء والقضاة والولاة، فيتجاذبون الأدب ويتساجلون الشعر ويتناولون النقد ويتناقلون الحديث، وما كانت ولاَّدة بمقصرة عن السابقين الُمجَلّين من هؤلاء، بل إنها لتُعَد من مبتكرات الشعر الأندلسي الحديث. وكم من الشعراء من يحسن أن يقول قول ولادة:
ودَّعَ الصبر محب ودعك ... ذائعٌ من سره ما استودعك
يقرع السنَّ على أن لم يكن ... زاد في تلك الخطى إذ شيعك
يا أخا البدر سنا وسنا ... حفظه الله زماناً أطلعك
إن يطل بعدك ليلى فلكم ... بت أشكو قِصَر الليل معك
بل كم منهم من يحسن أن يقول قولها للوزير الكاتب الشاعر ابن زيدون:
ترقَّب إذا جَنّ الظلام زيارتي ... فإني رأيت الليل أكْتَمَ للسر
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلُحْ ... وبالبدر لم يطلع، وبالنجم لم يسر
وعلى رغم ما أقدمت عليه وَلاّدة من هتك حجابها وتسنية أبوابها. يقول المؤرخون إنها لم تْنزع إلى ريبة أو تنزلق إلى مأثمة، وأقامت حياتها لم تتزوج، وعُمَّرَت طويلاً، وتوفيت في العام الرابع والثمانين من المائة الخامسة.
ولولادة صواحب نشأن على أدبها وانكشفن على سُنَتها وأخذن في الدعابة مثل مأخذها، ومن هؤلاء مهجة القرطبية وكانت أشد اندفاعا في مجانة الشعر من أستاذتها، وقد حاولنا أن نرى لها شعراً بريئاً لنثبته فلم نجد، على أن شعر ولادة لم يكن في متناول النساء لأن فيه فحولة وجزالة، وهو بشعر الرجال أشبه، ولكن أستاذة شواعر الأندلس التي أوردتهن من الشعر العذب الرقيق منهلا ندى النفحات