للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت تلك المرأة منزلة في القلوب تعنوا لها الوجوه وتطمئن دونها النفوس. ولم يكن مرجع ذلك لما لها من جلال ودلال وغضارة ونضارة وخلابة ودعابة، فما كانت من ذلك في قليل ولا كثير، ولكنها كانت فيما تفرّدت به بين نساء العصور الأولى من سموّ الروح إلى أبعد مرتقى، وصفاء النفس إلى أتم غاية، وكان من أثر ما ذاع عنها من نبل وسناء وعزة وكبرياء وجلال في الطبع والخلق، وترفع في القول والفعل، وإسعاد للزوج والولد، حتى كان من ثمرتها تلك الأمة التي جمعت أطراف الأرض وملكت نواحي الأمم في أقل من خمسين عاما. ومثل تلك

المرأة إذا انحرفت عن المحجة وانثنت عن الغاية وأسفت إلى اللهو واستراحت إلى الشهوات خمد منها روح السمو وانهتك عنها ستر الجلال، وذلك ما قاد المرأة العربية إلى شفير الهاوية.

وكانت أمور صرفت الرجل العربي عن المرأة العربية بعد أن كانت عينه التي بها يبصر، ويده التي عليها يعتمد، ونفسه التي بشعورها يشعر، وقلبه الذي بوعيه يعي؛ فلما أحاطت شهوته بعقله وغلبت مجانته على دينه وجد عن امرأته مصرفا، ثم ما زالت الصلة تهن والعقد تحلّ حتى استحال عدوّا لها يأخذ عليها مدارج أنفاسها ويحصي عليها لحظات عينها ونبرات صوتها وخطرات نفسها، وكان أشدّ ما فتن الرجل في نفسه وغلبه على عقله وصرفه عن امرأته ثلاثة أشياء:

الأول: الجواري اللواتي سباهن العرب من مختلف الأقطار والأمصار.

الثاني: الديارات التي بثها الروم والسريان وأشباههما في تفاريق البلاد لصرف العرب أولاً عن قوميتهم وأخيراً عن دينهم.

الثالث: ذيوع البغاء وأمثال البغاء في حواضر العراق.

وسنختص كلا من هذه الثلاثة بكلمة تكشف عن حقيقته وتبين ما كان له من عمق الأثر وبعد الخطر في الرجل العربي والمرأة العربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>