للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلافة؟ إذاً فلتكن الدماء المراقة على بطحاء كربلاء هي التي تدك عروشهم دكا! والفرس أعرف أمم الشرق القديم بتدبير المكايد وتنظيم الثورات، ولا تنس أن العصبية العربية أرجعت العرب إلى قديم أمرهم قبل الإسلام من فرقة وشتات، فبعد أن كانوا جميعاً قلباً واحداً تهزه كلمة واحدة وتدفعه عقيدة واحدة وتجتذبه غاية واحدة أصبحوا شعوباً وقبائل! فهنالك قحطان وعدنان، وهنالك مضر وربيعة، وهنالك قيس وتميم، وهنالك فرعا قريش من أمية وهاشم، وكل منهم يفتخر بعزه القديم ومجده الصميم. وفي تفاريق هذه الفرقة جمع الفرس شملهم وألفوا وحدتهم وأحكموا مادّتهم وجمعوا عديدهم ثم استاقوا الجيوش الزاخرة من

إقليم خراسان فسارت حتى التقت بجيوش بني أمية على نهر الزاب ولم تكن إلا جولة بعد جولة حتى انتكثت شمل الأمويين والتاثت صفوفهم وتبدّدت جماعتهم وفر خليفتهم حتى لقي مصرعه في مصر، وعلى أنقاض ذلك الملك الدابر قامت خلافة بني العباس.

وكان ملك بني العباس ملكا فارسيا يعلوه خليفة عربي، فالفرس هم ركن الخلافة ودعامتها، وهم ولاتها وساستها، وهم كفاتها وقادتها، وهم مشيروها ووزراؤها، وهم مفكروها وعلماؤها، وهم كتابها وشعراؤها، وهم مغنوها وندماؤها. وانتقلت الخلافة من بلاد العرب إلى العراق الفارسي فأصبحت بغداد خلفاً من المدائن.

وأراد الفرس أن يخمدوا آخر جذوة من الحمية العربية وأن يقطعوا آخر عقدة من العصبية العربية فأجلبوا عليهم بكل ما يوهن النفوس ويصبي القلوب من سماع وشراب وكواعب أتراب، وأغرقوهم في بحر طام من السرف والترف والزهر واللهو والمحارم والمآثم، ولم يمض غير قليل حتى راح العرب يخطرون في مطارف الفرس ويلعبون في ملاعب الفرس ويشربون في مشارب الفرس ويتأدّبون بآداب الفرس ويتخلقون بأخلاق الفرس. والمرآة والرجل كقوتي الكهرباء إذا تأثر أحدهما تأثر الآخر، وكذلك بدأت المرأة العربية تتأثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>