وكانوا ينكرون الهُجناء - أبناء الإماء - أن يطلبون الخلافة ولو كانوا من بيت النبوة! وقد زجر هشام بن عبد الملك يزيد بن علي عن طلب الخلافة بقوله: بلغني انك تطلب الخلافة ولا تصلح لها لأنك ابن أمة!
وكان مسلمة بن عبد الملك أشجع إخوانه وأبعدهم همة، ورغم ذلك دُفع عن الخلافة دونهم لأنه هجين.
وكانت المرأة العربية بفضل تلك العصبية العربية في الذَّروة والسَّنام من الإعزاز والإكرام. فقد أصبحت تجر أذيال النعمة بين خدمها ووصائفها وترفع أعلام العزة
بين آلها وذويها من الخلفاء والأمراء والقادة والولاة ومن إليهم من كل ذي موقف مشهود ومقام محمود.
ولم يؤثر ذلك النعيم الذي اجتَلَته المرأة العربية في شيء من نقاء فطرتها ولا صفاء طبيعتها ولا قسوة نفسها ولا توفرها على تربية أبنائها لأن العصبية العربية استبقت للرجل حميته وغيرته وعفته، والرجل مرآة المرأة.
على أن هذه العصبية التي صنعت نفوس العرب عن التهور في ظلال الشهوات كانت مزلق الأمويين إلى السقوط الذي لا قيام بعده.
فإن الفرس الذين أوطنهم العرب مواطن الخسف وأوردهم موارد الهوان لم يطيقوا القرار على ذلك طويلا. وكيف يطيقونه وهم أهل الرأي والعلم والتدبير والعدد؟ وكيف يقرّون وقد وجدوا في صفوف العرب ثغرة يقاتلون منها الأمويين باسم الدين؟ أو لم يتتبع الأمويين سلالة النبي بالقتل والصلب والحبس والتشريد؟ فما لهم لا يغضبون لآل النبي ويثورون بهم ويتخذون من دمائهم وأشلائهم سهاماً مسدّدة على أعدأئهم؟ أو ليس قميص عثمان المخضب بدمه هو الذي جمع لمعاوية الجموع وساق له الجيوش حين نصبه للعيون بمسجد دمشق حتى لبس به قميص