إخوانك، فأمرت بدوابي فردت، وجلسنا نتحدّث، فسألتني عن خبرنا بالأمس في مجلس الخليفة الواثق ومن كان وأي شيء استحسناه من الغناء، فأخبرتها أنّ صوت الخليفة كن لحناً صنعه بنان المغني من الماخوري، وكان من أعلم الناس باللحن والإيقاع فقالت وما هو؟ فقلت:
تجافي ثم تنطبق ... جفون حشوها الأرق
وذي كلف بكى جزعا ... وسفرُ القوم منطلق
به قلق يململه ... وكان وما به قلق
جوانحه على خطر ... بنار الشوق تحترق
فوجهت عريب رسولا إلى بنان فحضر وقد بلته السماء، فأمرت بخلع فاخرة فجعلت عليه، وقدّم له الطعام فأكل، وجلس يشرب معنا، فسألته عن الصوت فغناها إياه، فأخذت دواة ورقعة وكتبت:
أجاب الوابل الغَدِق ... وصاح النرجس الغَرِق
وقد غنى بنان لنا ... جفون حشوها الأرق
فهاك الكأس مترعة ... كأن ختامها حدق
قال علي بن المنجم: فما شربنا يومنا إلا على هذه الأبيات.
ومن عجيب وفاء عريب لفنها ونسيان ذاتها في سبيله ما حكاه صالح بن علي بن الرشيد قال: تمارى خالي أبو علي والمأمون في صوت، فقال المأمون أين عريب؟ فجاءت وهي محمومة، فسألها عن الصوت فقالت فيه بعلمها، فقال لها غنيه، فولت لتجيء بالعود، فقال غنيه بلا عود. فاعتمدت من الحمى على الحائط وغنت، وأقبلت عقرب فرأيتها وقد لسبت يدها مرتين أو ثلاثا فما نحت يدها ولا