الأتقياء في هذا العهد وهم يرون إمام العراق أبا حنيفة ينكر على الشاعر الخليع يحيى بن زياد بعض خلاعته فيجيبه يحيى بقوله:
إن كان نسْكُك لا يتم ... بغير شتمي وانتقاصي
فاقعد وقم بي كيف شئ ... ت مع الأداني والأقاصي
فلطالما زكيتني ... وأنا المقيم على المعاصي
أيام نأخذها ونع ... طي في أباريق الرصاص
فيسمع الإمام بعض هذه الأبيات فيبكي إشفاقاً على نفسه من لوثة ذلك الشعر ومن إذاعة هذا السوء ويرسل إلى الشاعر من يستوهب منه نفسه فبعد لأي يهبها له.
هذا مثل من احتكام الشر والفجور بالتقي ونموذج من غلبة صوت المجان
والخلعاء على وعظ البررة الأتقياء فأيهم بعد ذلك يقوم على النصح ويهم بالإرشاد؟ على أن الفقهاء والعلماء نالوا كذلك من طيبات هذه الحياة ونعموا بمناعمها وإن وقف أكثرهم عند حد السائغ البريء من هذه الحياة. ولكن هذا السائغ البريء إذا سرى في رجال الدين قعد بهم عن احتمال البلاء ومعاناة الأذى في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك ما كانوا عليه في هذا العصر الحافل بالمناعم والمآثم.