والمغنين والحشم إلا أمر له بصلة، وكان من الأيام التي سارت أخبارها وذكرت في الآفاق.
فلما كان من الغد غدوت عليه فقال: أنشدني يا حسين شيئاً قلته في يومنا هذا الماضي فأنشدته.
يا حانة الشط قد أكرمت مثوانا ... عودي بيوم سرور كالذي كانا
لا تفقدينا دَعابات الإمام ولا ... طيب البَطالة إسراراً وإعلانا
ولا تخالُعَنَا في غير فاحشة ... إذا تُطَرَّبُنا الطيور أحيانا
وسلسل الرطلَ عمرو ثم عم بنا الس ... قيا فألْحَقَ أخرانا بأولانا
سقيا لعيشك من عيش خصصت به ... دون الدساكر من لذات دنيانا
قال فأمر الواثق بِصلة سنية مجددة واستحسن الشعر وأمر أن يغَنَّى فيه.
ومن ذلك الغور العميق أصيبت الدولة العباسية بالداء الدويّ والنازلة المُضنية. والحق أن هذا العصر العباسي سما بالعقل الإنساني من طريق العلم والتفكير. إلى أبعد الآماد وأقربها من الكمال، فهم قد ترجموا علوم الأمم السالفة وناقشوا مسائلها وابتكروا علوماً سواها في أقل من خمسين عاماً، وهم قد تناولوا الأدب العربي فهذبوه وجّملوه وألبسوه حلة مذهبة اللفظ ضافية الخيال، وهم بحثوا في الكتاب والسنة وقيدوا منها مسائل التشريع وابتدعوا ممن العلوم ما يكشف عن أسرار القرآن الكريم ويوضح مقاصده ويبحث علومه وحقائقه، ولكن ضعف النفش يطغي على قوة العقل فيقسرها كما تشيع آفة النبات في العود الناضر فتضنيه وتقصفه ثم تسرى منه إلى المرج الخصيب فتفتك به وتذهب بريحه.
وكان في الدولة البررةُ والأتقياء، ولكن التقي والبر يكمنان في الفتنة العاصفة ويسكنان في الهيضة الجامحة ويخشيان صولة الألسنة الباغية. وماذا يقول البررة