ومغرس النبل والكمال للولد، بل هي امرأة ثائرة على النظام نافرة من الجماعة، وما لهذا خلق النساء.
ومن العجيب أن المرأة المتنسكة انصرفت عن الزواج! كأنها تعلم أن نسكها لا يتم إلا إذا انفردت عن سائر الناس!
ومما رواه صاحب مصارع العشاق من حديث فتاة من المتبتلات نظر إليها فتى من جيرتها فهام بها فأومرت في الزوج منه فاعتذرت. أقول من هذا الحديث تعلم كيف يصرف هذا الصنف من النساء عنانه عن كل ما يتصل بالحياة.
وحديث ذلك أن هذا الفتى رأى الفتاة فشغفته حبا فكتم أمرها حتى أنحل جسمه وأشفى على الموت، ثم كاشف بأمره امرأة من أهله فذهبت إلى الفتاة - وكان حديث مرض الفتى قد انتهى إليها - وحدثتها ساعة، ثم قالت لها: يا بنية أبليت شبابك وأفنيت أيامك على هذه الحال التي أنت عليها! قالت يا عمتاه أية حال سوء تريني عليها؟! قالت لا يا بنية، ولكن مثلك يفرح في الدنيا ويلذ فيها ببعض ما أحل الله عز وجل لك غير تاركة لطاعة ربك ولا مفارقة لخدمته، فيجمع الله لك بذلك الدارين جميعاً، فوالله ما حرّم الله عز وجل على عباده ما أحل لهم من الطيبات. فقالت يا عمتاه، أو هذه الدار دار بقاء لا انقطاع ولا فناء، فتكون الجوارح قد وثقت بذلك، فتجعل لله تعالى شطر همتها وللدنيا شطرها، فتعد الجوارح إذاً التعب راحة والكد سلامة؟ أم هذه الدار فناء وتلك دار بقاء ومكافأة، والعمل على حسب ذلك، قالت يا بنية لا، ولكن الدنيا دار فناء وانقطاع وليست بباقية على أحد ولا دائمة له ولكن قد جعل الله تعالى لعباده فيها ساعات صدقة منه على النفوس تنال فيها ما أحل لها مخافة الشدة عليها، فقالت الجارية: صدقت يا عمتاه، ولكن لله عباد قد علموا وصح في هممهم شيء من ذخر ذخروه عنده، فجعلوا هذا الشكر