من كل قطر. ولكنهن لم يجدن عندهم من الحُظوَة ونفاذ الرأي وعلة الشأن ما وجدن في غير مصر من سائر البلدان، لأنهم راموا الخلافة بوسيلة النبوة المقدّسة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهم كانوا يرَوَّجون لأنفسهم بالإرجاف ببني العباس، وإذاعة السوء عنهم، وقولهم فيهم إنهم ملكوا الجواري زمام أمورهم وقوام سياستهم. ولما علم المعز لدين الله - وهو لم يزال بعد أميراً على تونس - أن ابنة الإخشيد اشترت جارية حسناء من بنات بغداد لتستمتع بها، أرسل قائده جوهراً لفتح مصر، وقال الآن لا يصدنا عنها شيء. فكان الأمر وفاق ما قال. وكان كل ذلك حائلا دون بلوغ الجواري مبلغ التغلب على قلوب خلفاء مصر والاحتكام بملكهم والعبث في جماعتهم. وما زلن كما هنّ أدوات مهنة ووسائل
زينة حتى جاء عهد المستنصر وكان قد أوتي الملك صبيا لم يبلغ السابعة، وأقام فيه سنتين عاما وسبعة أشهر. ولما تنصف ذلك الأمد الطويل أدركته ملالة فمال إلى اللهو. واستراض للجواري، على أن القدر لم يدعه في لهوه طويلا، فأصيبت مصر بمجاعة مهلكة ذهبت باليابس والأخضر. ولبثت تجتاح الحرث والنسل وتعصف بالحب والنوى سبع سنين دّأباً، حتى أشفق الخليفة على حُرمه وبناته أن يأكلهن الجوع فأرسلهن إلى بغداد، وحتى لم يبق في دار الخلافة إلا جواد مهزول يركبه الخليفة ويسير من حوله حرسه وحاشيته مشاة يميد بهم سكر الجوع. وكان للملك من ذلك عظة بالغة، فإنه أقلع من بعدها عن اللهو وأناب إلى الله. وجاء الملوك من بعده فلم يكن منهم إلى جواريهم نزوع شديد كالذي كان في قرطبة وبغداد.
ذلك الذي بسطته لك شأن الجواري في العالم العربي، وقد ذكرته لك ضافياً مستفيضاً لأنه أقوى المؤثرات في حياة المرأة العربية. وسنجلو من ذلك الحديث