لأن الأُم من الأمة بمثابة القلب من الجسد، فهي غذاء أرواحها، ومران أعوادها ومفيض مداركها ومبعث عواطفها، فإن وهنت كان كل أولئك واهناً ضعيفاً.
لذلك كله عمد الإسلام إلى المرأة أول ما عمد، فرد مظلمتها وأتم نصفتها ورفع شأنها، وأطلق عنانها، وثبت إيمانها.
لقد كانت نهضة المسلمين غريبة فريدة لأن المرأة كذلك كانت غريبة فريدة ولو لم
تكن كذلك لكانوا في عظيم أمرهم ككل الناس بين جد وانتظار وإقبال وإدبار. وإذا كانت المرأة الحديثة قد أنصتت للِنْكُولن زعيم الجمهورية الأمريكية وهو يقول ولمهنئيه بأسمى مناصب العالم لا تهنئوني وهنئوا أمي فهي التي رفعتني إلى مقامي هذا إذا كانت قد أنصتت لذلك فازدهرت وأشرقت وتطاولت واستشرفت فإن المرأة العربية المسلمة كانت تستمع لأشباه هذا الكلام من أشباه لنكولن فلا ينثني جيدها ولا يهتز عطفها لطول ما سمعته وألفته حتى لقد أصبح من بدائه العرب الظاهر وعقائدهم الراسخة أن الهُجَنَاء - وهم الذين لم تنجبهم نساء العرب - لا يُغْنُون في المهم، ولا يكفون في الملم، مهما أمعن آباؤهم في شرف المنبت، ونبل الشمائل.
وما ظنك برجل من رجال البادية كعُقيل بن عُلفة المرَّي يخطب إليه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ابنته بنيه فيقول له جنَّبني هجناء ولدك.
وشبيه بذلك ما حدثوا أن هشام بن عبد الملك قال لزيد بن علي بن الحسين: بلغني أ، ك تحدث نفسك بالخلافة. ولا تصلح لها لأنك أبن أمة.
أو تدري من تلك الأمة؟ إنها ابنة ملك الفرس الذي كان العرب يذكرون بين رعيته فلا يأبه بهم. أما أبوه فحفيد عليّ بن أبي طالب وسليل رسول الله صلى الله