عليه وسلم. ذلك هو الذي قصر به مدى الخلافة في رأي هشام بل وفي رأي العرب يومئذ أن أمة فارسية لم يجر الدم العربي بين نياط قلبها، وحَنِيات صدرها.
بل لقد كان الرجل يرجع إلى الأمهات ما يراه بين الأخوين من الفوارق التي لا تظهر صلتها بهن. ومثل ذلك ما قالوا أن عبد الملك بن مروان سابق بين سليمان ومَسْلَمة ابنيه - وكان مسلمة هجينا - فسبق سليمان. فقال عبد الملك:
ألم أنهكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدرك
أرأيت كيف جعل الفتيان بالسبق أثراً من جهد المرأة ونزعة من روحها وثمرة من تنشئتها وتربيتها مع أن الأمين امرأتاه والفتيين ولداه؟
وأي غريبة تجدها في ذلك؟ أو لم يكن ركوب الخيل، وأدرع الليل، واقتحام الهول نوازع من عزمة مُتقدة وقوة غالبة ونفس حمية؟ وهل في كل أولئك شيء لم يرضعه في دارها، أو يسمعه من ثغرها، أو يقرأه على صدرها، أو يَتَنسمه من بين سحرها ونحرها؟
ولعل أوضح من ذلك علمهم بأن لها الأثر كله في قوة بيان الرجل وتقويم لسانه. وما رأيناه أمراً أجمع عليه قالةُ العرب ومن إليهم من أئمة اللغة ورواة الأدب وأعيان البيان، كإجماعهم على أن أول أصابت اللغة العربية لم يقذف بها إلا ألسنة الهجناء.
وليس ذلك بالأمر الذي يحوجه الدليل ويعوزه البيان. فإن أمهات العرب لم يكن يناغين أبناءهن وهن زهر وغض وصحائف بيض إلا بكل مورق مثمر من القول فينشأ ناشئهن عذب البيان غدق اللسان.
فأما بنو الإمام فما عساهم يسمعون إلا كل لفظ دعي من كل لسان عي.