ولئن يكن الخضوع لذلك الحق - حق تفرد المرأة بتكوين الرجل والتأثير فيه - مما أفاض عليها قوتها وشدة عزيمتها على المضي في عملها والبلوغ بواجبها، إن مما ضاعف ذلك كله احترامهم لها احتراماً لم يناله أحد سواها.
لقد كان احترام الأم في الجاهلية طبعاً مألوفاً فأصبح بالإسلام فوق ذلك فرضاً يؤثر الأم ويرجع بفضلها في القول عنها.
وإليك مثلا من ذلك قول الله جل ذكره:(ووَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً ووَضَعَتْه كرها) فانظر كيف أجمل سبحانه الأب ثم أختص الأم بفضل البيان ووضح الإقناع بأنها حملته مؤلمة ووضعته مؤلمة وليس الأب في شيء من ذلك.
وشبيه بذلك ما أسلفنا أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمّك. قال ثم من؟. قال أمّك. قال ثم
من؟ قال أمك: قال ثم من؟ قال أبوك.
وجاء رجل إليه صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي أُماً أنا مطيعها، أقعدها على ظهري، ولا أصرف عنها وجهي، وأرد إليها كسبي فهل جزيتها؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة.
وهل أتاك نبأ أويس بن عامر القَرَني؟ ذاك رجل أنبأ النبي بظهوره وكشف عن سناء منزلته عند الله ورسوله وأخذ البررة الأخيار من آله وصحبته بالتماس دعوته وابتغاء القربى إلى الله به وما كانت آيته إلا بره بأمه وذلك حديث مسلم عنه: كان عمر رضي الله عنه إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سأَلهم أفيكم أويس بن عامر؟