حتى أتى على أويس بن عامر فقال أنت أويس بن عامر؟ قال نعم. قال من مُراد؟ قال نعم. قال كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال نعم. قال لك والدة؟ قال نعم. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن. كان به أثر برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بَارٌّ بها لو أقسم على الله لأبرَّه فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فاستغفري لي. فاستغفر له، فقال له عمر أين تريد؟ قال الكوفة. قال ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال أكون في غبراء الناس أحب إلي.
كل ذلك وأشباهه مما جعل للأم المقام الأوفى والمنزلة التي ليس فوقها إلا الله ورسوله. وفي سبيل ذلك الاحترام نذكر ذلك الحديث الموجز:
لما كانت موقعة أُحد أغرت هند بنت عُتبة بحمزة بن عبد المطلب من خالسه فصرعه - وكان قد قتل آلها يوم بدر - ثم نفذت إليه فَبَقَت بطنه ونزعت كبده وجدعت أنفه، وصلمت أذنيه، وجاء بعدها أبو سفيان فأخذ يطعنه بالرمح في فمه حتى مزقه.
انقضت الوقعة وجثمان حمزة تكاد تحيل معالمه لفرط ما مثل به. فلما وقف به رسول الله اشتدّ حزنه لما أصاب عمه البطل الكبير، ووقف بنجوة منه ثم أبصر فوجد عمته صفيه بنت عبد المطلب مقبلة لتنتظر ما فعل القوم بأخيها فقال رسول الله لابنها الزبير دونك أمك فامنعها. وأكبر همه ألا يجد بها الجزع لما ترى. فلما وقف ابنها يعترضها قالت دونك لا أرض لك! لا أمّ لك! وهنالك رجفت أحناء بطل قريش وزلزلت قدماه واعتقل لسانه وكر راجعاً إلى رسول الله فحدثه حديث أمه، فقال: خلَّ سبيلها.